المتقاعدون: "لن نرضى أن نكون كبش فداء"

تفاؤل حذر بعد نهاية إضراب عمال البريد

المتقاعدون: "لن نرضى أن نكون كبش فداء"

عشرات العائلات تفر إلى الكريدي بسبب تأخر استلام أجورها

السيناريو المتكرر لشل قطاع البريد تدفع ثمنه دوما الطبقات العمالية الكادحة على غرار المتقاعدين، بحيث تعرف أغلب مراكز البريد عبر ولايات الوطن وعلى رأسها العاصمة شلاّ كليّا للخدمات تذمر له كافة المواطنين خصوصا مع الفترة الحساسة واقتراب موعد الدخول الاجتماعي والمدرسي الذي هو على الأبواب، وقد ساد تفاؤل حذر في الشارع الجزائري، بعد أن أعلنت النقابة الوطنية المستقلة لعمال البريد أنها قررت استئناف العمل، وذلك بعد اجتماع طارئ لها تم عقده مساء الأربعاء الماضي، حسب ما ورد في بيان للنقابة، تلقت (أخبار اليوم) نسخة منه·

وحسب ما ورد في البيان ذاته، فإن النقابة قررت، إضافة إلى ذلك، منح مهلة أقصاها شرين للإدارة الوصية (لمعالجة وتنفيذ جميع مكتسبات إضراب جانفي 2013، قبل العودة إلى الاحتجاج)·

وشهدت أغلب مراكز البريد غليانا ميزه الحضور القوي للزبائن واصطدامهم بالأبواب الموصدة التي أثارت أعصابهم وما زاد استياءهم جيوبهم الفارغة مع توالي المناسبات فهم لم يلمسوا أجورهم منذ رمضان كآخر أجرة سبقت الإضراب واستنزفت كلها في تحضيرات العيد·

ومع اقتراب الدخول المدرسي وفد أغلب المتقاعدين إلى مراكز البريد ففوجئوا بخبر إضراب عمال القطاع الذي بدأ منذ الأربعاء الماضي وسقط على مسامعهم كالصاعقة خصوصا مع الظروف التي يمرون بها، ومنهم من لا يقوى ذلك الراتب على تغطية أعبائه المادية فما بالنا مع تأخره لفترة بسبب الإضراب، مما جعل العديد من العائلات تستنجد بـ(الكريدي) إلى غاية انفراج الأزمة وعودة العمال إلى العمل، فالكل ينتظر شفقتهم ورحمتهم بالطبقات الضعيفة التي امتنعت ورفضت بشدة استعمالها ككبش فداء وكورقة رابحة للمطالبة بالحقوق·

متقاعدون مظلومون في كل مرة

تذمر معظم المتقاعدين الذين تقدمنا منهم على مستوى مركز بريد بئر توتة بالجزائر من الوضعية السلبية التي واجهوها بحيث تجمع العشرات منهم في مشهد تراجيدي ومؤسف، ومنهم من أنهكهم التعب فاختاروا المكوث والجلوس بمحاذاة الأبواب التي أوصدت في وجوههم وهم في تلك السن، حتى أن أغلبهم هم من جيل الثورة ووجدوا أنه من العيب والعار تلقي ذاك المصير في بلد الحرية والكرامة لكنهم قالوا إنهم صامدون وينتظرون الفرج وليست هي النقطة التي تجعلهم ناقمين على بلد أحبوه حتى النخاع، إلا أنهم تأسفوا لاستعمالهم في كل مرة كورقة من أجل المطالبة بالحقوق و(استقصادهم) في كل مرة، باختيار فترة دفع أجورهم وإعلان الإضراب من أجل إسماع صوت المضربين عن طريق شريحة المتقاعدين كشريحة هامة من المجتمع تعرف بظروفها المزرية مما يحتمل تأثيرها على الرأي العام، وأعرب جلهم عن استيائهم وتأثير الإضراب عليهم ورأوا أن استلام أجورهم هو حق مخول لهم، إلا أن عقبة الإضراب حالت دون التمكن من الانتفاع بحقوقهم ما عبر به (د· شاوش) متقاعد في العقد الثامن، إذ قال إن الظروف التي يتخبطون فيها تحط من قيمتهم فكيف يفسر غلق الأبواب في وجوههم وهم الذين عايشوا الحرب التحريرية بمرها وشاركوا في استرجاع السيادة والحرية، وقال إنه يتذمر كثيرا لهذه الوضعية التي تسود بعض القطاعات فمن قطاع الصحة إلى قطاع البريد والمواطن دوما هو الخاسر الأكبر الذي تربطه خدمات متعددة مع أغلب القطاعات،

ج· محمد 78 عام قال إنه لابد من إيجاد الحلول التي ترضي كل الأطراف وعدم الالتزام بسياسة الصمت، ورأى أن المتقاعدين مظلومون ويعانون من الحقرة في كل مرة، لاسيما مع الموعد الهام الذي ينتظر العائلات وهو موعد الدخول المدرسي الذي يتطلب ميزانية أخرى ليضيف بالقول إن ميزانية رمضان والعيد استنزفت كل أجره الضعيف جدا وهو ينتظر بفارغ الصبر استلام أجره لهذا الشهر لفك كربه وتغطية العديد من حاجيات أسرته·

عائلات تلجأ إلى "الكريدي" مكرهة

اقتربنا من بعض النسوة اللواتي كن ماكثات على مستوى ذات المركز بحيث أظهرن هن الأخريات حيرتهن من استمرار الإضراب لأكثر من أسبوع كامل مما جعلهن يكررن رحلة الذهاب والإياب من وإلى مراكز البريد علهن يحصلن على شفاعة ورحمة عمال البريد بهن ويستلمن أجورهن، لكن قابلتهن الأبواب الموصدة في وجوههن مما جلب لهم الاستياء والتذمر، فحتى تلك الأجرة لا تكاد أن تغطي كامل المصاريف وأن أغلبهن تكمل الشهر بالاستدانة أو (الكريدي)، ما عبرت به إحدى النسوة التي لجأت إلى المركز من أجل استلام منحة زوجها المتوفي والتي لا تتعدى 8000 دينار إلا أنها لم تتمكن من استلام أجرتها الزهيدة بسبب الإضراب مما أغرقها في الديون المتراكمة و(الكريدي)، وقالت إنها جلبت مواد غذائية تقدر قيمتها بـ 4000 دينار من المحل ولم تدفع ثمنها بسبب تأخر استلام المنحة، وتنهدت طويلا لتضيف (ما يحس بالجمرة غير اللي كواتو) وأنه من غير المعقول طلب الزيادات والعلاوات على حساب أشخاص أجراء يتحينون استلام تلك المنح الزهيدة لفك كربهم وجوع عائلاتهم·

نفس ما عبرت به سيدة أخرى إذ قالت إن الفترة هي جد حساسة من أجل تحضير الأبناء للدخول المدرسي وقالت إنها جاءت لاستلام أجرة زوجها الراقد بالمستشفى بعد أن خضع إلى عملية جراحية معقدة التي تستلزم العديد من التكاليف من أجل اقتناء الدواء من دون أن تنسى تكاليف أبنائها تزامنا مع الدخول المدرسي وفوجئت للإضراب الذي ألقى بظلاله على الأسر البسيطة·

شل العديد من الخدمات بسبب الإضراب

قطاع البريد والمواصلات كقطاع هام وضروري أثر إضرابه على خدمات أخرى التي تعرضت إلى شلل شبه كلي، وإضافة إلى توقيف منح الأجور، تأثر زبائن آخرون من إفرازات الإضراب على غرار المقبلين على مسابقات متنوعة كالمسابقات الوظيفية وكذا الممتحنين في شهادات قيادة السيارات، والذين يلزمهم اقتناء طوابع بريدية خاصة توفرها مراكز البريد بكل أنواعها فحتى تلك الخدمة توقفت مما أثر نوعا ما على بعض الزبائن، من دون أن ننسى فئة المعاقين التي تأثرت هي الأخرى بتداعيات الإضراب ولم تستلم منحتها المقدرة بـ 4000 دينار· ما قالته سيدة أم لفتاة معاقة قالت إن تأخر منحة ابنتها لم يمكنها حتى من اقتناء ملابس العيد لها وتفاجأت في هذه الفترة بمشكل الإضراب مما سيؤخر أيضا استلامها المنحة بسبب اصطدامها ببعض العثرات·

آنسة أخرى قالت إنه من غير الممكن اختيار هذه الفترة لإعلان الإضراب فهي فترة يحتاج فيها المواطنون إلى سهر العديد من القطاعات على تلبية خدماتهم على غرار البلديات وكذا مراكز البريد لاسيما المقبلين على امتحانات ومسابقات وظيفية وغيرها والتي تتطلب ملفات إدارية هامة، يدخل توفير بعض وثائقها في اختصاص البريد على غرار الطوابع البريدية والتصديق على الحوالات وتحضير الصكوك بالنسبة للطلبة وغيرها من الخدمات الأخرى الذي يدخل فيها قطاع البريد بالدرجة الأولى مثله مثل مصالح الحالة المدنية بالبلديات، وشل القطاع ينبىء بعوائق متعددة ومتنوعة مع اقتراب الدخول الاجتماعي· وتجدر الإشارة أنه لم يسلم من الأزمة سوى مالكو بطاقات السحب الإلكترونية وعلى الرغم من ابتعاد الكل عن استعمالها واختيار الطرق التقليدية في استلام المال إلا أنها أنقذت الموقف في ظل الظروف الحالكة التي يعيشها القطاع·

عمال يتبرأون من المسؤولية ويقذفونها إلى أطراف أخرى

بعد الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات في الأول من طرف العمال المضربين على مستوى مركز بريد بئر توتة، رضخ بعضهم إلى طرح وجهات نظرهم وتبرأوا من الوضعية التي يتخبط فيها الزبائن وأن المسؤولية تقع على الرؤوس الكبيرة بالقطاع التي لم تف بوعودها في منح العلاوات وتطبيق سلم الأجور بأثر رجعي من الفاتح جانفي 2008، وأنهم على الرغم من الإضراب يمنحون سويعات للزبائن ويقدمون لهم الخدمات، في حين نفى الزبائن ذلك وقالوا إن الإضراب جعلهم يدورون في حلقة مفرغة واستعصى عليهم سحب أجورهم بسبب الصد الذي واجهوه عبر مراكز البريد وتخوفوا من استمرار الإضراب الذي سوف يدخلهم ويدخل عائلاتهم في دوامة من البؤس والشقاء لاسيما مع اقتراب الدخول الاجتماعي والمدرسي الذي يستلزم توفير العديد من الحاجيات·